يُعد نيك وولتماد Nick Woltemade واحداً من الأسماء الصاعدة في سماء كرة القدم الأوروبية، وأحد أبرز المواهب الألمانية التي تلفت الأنظار بفضل طول قامته، أسلوبه المتنوع، وقدرته الفطرية على التأقلم مع أنماط اللعب المختلفة. هذا اللاعب الشاب، الذي بدأ رحلته في أكاديميات الكرة الألمانية، استطاع أن يفرض اسمه على الساحة الكروية، ويشق طريقه إلى أحد أكثر الدوريات تنافسية في العالم، الدوري الإنجليزي الممتاز.
وُلد نيك وولتماد في الأول من فبراير عام 2002 في مدينة بريمن الألمانية، وهي مدينة عُرفت بإنتاجها للعديد من النجوم في عالم الكرة، ويبدو أن وولتماد لم يشذ عن هذه القاعدة. بدأ حياته الكروية في أكاديمية نادي فيردر بريمن، أحد أعرق الأندية في ألمانيا، حيث انضم إليها وهو في سن مبكرة جدًا، وتم صقله على مدار سنوات طويلة ليكون مهاجمًا شاملاً.
يمتاز نيك وولتماد بقدرات بدنية هائلة، إذ يبلغ طوله حوالي 1.98 متر، ما يمنحه ميزة تنافسية قوية في الكرات الهوائية والالتحامات الثنائية. ومع ذلك، فهو ليس فقط مهاجمًا يعتمد على القوة البدنية، بل يمتلك قدمًا يسرى دقيقة، ورؤية ميدانية جيدة، وقدرة على صناعة اللعب، ما جعله يتنقل بسهولة بين مركز المهاجم الصريح والمهاجم المتأخر، وأحيانًا صانع الألعاب.
بداية صعود نيك وولتماد
مع فيردر بريمن، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى شارك نيك وولتماد مع الفريق الأول. في سن السابعة عشرة، ظهر لأول مرة في الدوري الألماني “بوندسليغا”، ليكون أصغر لاعب في تاريخ النادي يشارك في مباراة رسمية. هذه اللحظة كانت بداية رحلة احترافية مليئة بالإثارة، جذبت أنظار كشافي الأندية الكبرى في أوروبا.
وبينما عانى فيردر بريمن من تذبذب الأداء والمراكز المتأخرة في جدول الدوري، كان وولتماد يشكل نقطة الضوء القليلة في الفريق، خصوصًا بفضل تحركاته الذكية، وتمركزه في منطقة الجزاء، وتعاونه المثالي مع لاعبي الوسط. أحرز في موسمه الأول عددًا من الأهداف الحاسمة، كما صنع أهدافًا أخرى، ما ساعده في نيل جوائز نيك وولتماد الفردية الأولى في مسيرته، والتي تمثلت في اختياره ضمن أفضل اللاعبين الشباب في ألمانيا لموسم 2020-2021.
اقرأ ايضاً: أندريه سانتوس (Andrey Santos): الموهبة البرازيلية – خطواته الأولى في أوروبا
انتقال نيك وولتماد إلى الدوري الإنجليزي
رحلة نيك وولتماد لم تتوقف عند حدود ألمانيا. في صيف عام 2023، بدأت الأحاديث تزداد حول اهتمام أندية إنجليزية بخدماته، وخصوصًا الفرق التي تبحث عن مهاجمين شباب يمكن تطويرهم ضمن مشاريع طويلة الأمد. بعد مفاوضات استمرت لعدة أسابيع، نجح نادي برايتون الإنجليزي في التوقيع مع وولتماد، ليبدأ فصلًا جديدًا من مسيرته الكروية في الدوري الإنجليزي الممتاز.
كان انتقاله إلى البريميرليغ بمثابة تحدٍ كبير، لكنه أثبت سريعًا قدرته على التكيف، خاصة بفضل بنيته الجسدية التي تناسب نسق اللعب الإنجليزي المعروف بالقوة والسرعة. شارك وولتماد في عدد من المباريات كأساسي، وسجل هدفه الأول ضد نادي وولفرهامبتون في مباراة انتهت بنتيجة 2-1 لصالح برايتون. هذه البداية القوية زادت من شعبيته بين جماهير النادي الإنجليزي، وبدأت تظهر مقارنات بينه وبين مهاجمين ألمان آخرين سبق لهم النجاح في إنجلترا.
بطولات نيك وولتماد والمشاركات الدولية
رغم أنه لا يزال في بداية مسيرته، فإن بطولات نيك وولتماد بدأت تتشكل بشكل متسارع. فقد شارك مع منتخب ألمانيا للشباب تحت 21 عامًا في عدة بطولات أوروبية، وساهم بأهداف حاسمة في التأهل إلى نهائيات بطولة أوروبا للشباب. كما نال شرف ارتداء شارة القيادة في إحدى المباريات، ما يعكس ثقة الجهاز الفني فيه كلاعب وقائد.
أما على صعيد الأندية، فقد كان جزءًا من تشكيلة فيردر بريمن التي وصلت إلى نصف نهائي كأس ألمانيا عام 2021، كما ساهم في ضمان بقاء الفريق في البوندسليغا لموسمين متتاليين. ومع برايتون، ساهم في تحقيق المركز السابع في جدول الدوري، ما منح الفريق فرصة المشاركة في بطولة الدوري الأوروبي لأول مرة في تاريخه، وكان لوولتماد دور كبير في هذه الإنجاز.
الجوائز الفردية التي حصدها نيك وولتماد
جوائز نيك وولتماد لم تكن مجرد اعتراف بقدراته الفردية، بل كانت شهادة على تطوره السريع وثبات مستواه. من أبرز الجوائز التي حصدها:
- جائزة أفضل لاعب شاب في فيردر بريمن عام 2021.
- إدراجه ضمن فريق العام في البوندسليغا للشباب عام 2022.
- اختياره كأفضل لاعب صاعد في برايتون لشهر نوفمبر 2023.
- جائزة هدف الشهر في الدوري الإنجليزي عن هدفه في مرمى وولفرهامبتون.
تلك الجوائز، إلى جانب الإشادة الإعلامية المستمرة، جعلت منه موهبة تحت المجهر في وسائل الإعلام الأوروبية، كما لفت أنظار مدرب المنتخب الأول يوليان ناجلسمان الذي أبدى إعجابه بأسلوب لعبه وتوقع له مستقبلاً كبيرًا.
الحياة الشخصية وعلاقة نيك وولتماد العاطفية
بعيدًا عن المستطيل الأخضر، يفضل وولتماد حياة بسيطة وهادئة. ورغم شهرة اللاعب المتزايدة، فإنه لا يشارك كثيرًا من تفاصيل حياته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل الجماهير تتساءل كثيرًا عن زوجة نيك وولتماد.
تشير تقارير صحفية ألمانية إلى أنه مرتبط بعلاقة مع فتاة ألمانية منذ سنوات المراهقة، لكنها ليست من الوسط الرياضي، وتحرص على البقاء بعيدة عن الأضواء. لم يتم إعلان زواجه رسميًا حتى الآن، لكن وولتماد صرّح في مقابلة قصيرة أنه يعيش حياة مستقرة ويعتبر دعم شريكته أحد أسرار تركيزه ونجاحه على أرض الملعب.
طموحات نيك وولتماد في المستقبل وأثره في الكرة الأوروبية
كيف يرى النقاد مستقبله؟
يرى الكثير من محللي كرة القدم أن نيك وولتماد (Nick Woltemade) يملك من المقومات ما يؤهله لأن يصبح أحد أبرز مهاجمي جيله في أوروبا، خاصة مع قدرته على التأقلم السريع مع نسق الدوري الإنجليزي الصعب. أحد المعلقين الرياضيين المعروفين في قناة سكاي سبورت قال عنه: “هو مشروع مهاجم متكامل.. لم نشاهد لاعبًا بهذا التوازن بين التقنية والطول منذ أيام كلوزه”.
ويتوقع له كثيرون الانتقال إلى أندية الصف الأول خلال الأعوام القليلة المقبلة، وربما يكون على رادار فرق مثل بايرن ميونخ أو ليفربول، خاصة مع تطوره في النضج الخططي والنفسي.
التحديات التي واجهها في بدايته
لم تكن رحلة نيك وولتماد مفروشة بالورود. فعند بداياته في الدوري الألماني، واجه انتقادات لكونه بطيء التفاعل مع الكرات المرتدة، وأنه يفتقر إلى اللمسة الأخيرة القاتلة. ومع ذلك، استطاع تطوير هذه الجوانب من خلال العمل مع مدربين متخصصين في التحرك بدون كرة والتسديد من لمسة واحدة.
كما أنه عانى من إصابة عضلية في عام 2021، غاب على إثرها عن الملاعب لمدة ثلاثة أشهر، لكنه عاد بعدها بقوة واستعاد لياقته سريعًا، ما أظهر مدى التزامه البدني وقدرته على التعافي الذهني.
تأثيره على جيل الشباب في ألمانيا
أصبح نيك وولتماد قدوة للعديد من الناشئين في أكاديميات ألمانيا، خصوصًا أولئك الذين يملكون بُنية جسدية مشابهة. وغالبًا ما يُشار إليه كمثال على كيف يمكن للاعب طويل القامة أن يكون مرنًا وسريعًا في اللعب، متجاوزًا الصورة النمطية للمهاجم الثابت أو “رأس الحربة التقليدي”.
يُذكر أن بعض المدارس الكروية في بريمن بدأت تضم لقطات من مباريات وولتماد ضمن دروس تكتيكية للناشئين، كتطبيق حي على التمركز والانطلاق الذكي خلف المدافعين.
اهتمام الأندية الكبرى
بعد أول موسم له في الدوري الإنجليزي، أبدت أندية كبرى اهتمامًا به، من ضمنها نادي روما الإيطالي ونادي أياكس أمستردام. وقد أُشيع أن هناك مفاوضات غير رسمية جرت بين وكيل أعماله وأندية ألمانية كبرى ترغب في استعادته للبوندسليغا، ولكن اللاعب نفسه عبّر عن رغبته في الاستمرار في إنجلترا لفترة أطول.
اللافت في مسيرة وولتماد هو أنه لا ينجذب فقط للعروض المغرية ماليًا، بل يبحث عن بيئة تساعده على التطور الكروي والفكري، وهو ما أكده في مقابلة مع صحيفة “دي فيلت” حين قال: “أنا لا أركض خلف الأموال، بل خلف المعنى.. خلف من يجعلني لاعبًا أفضل.”
مساهمته في الأعمال الخيرية والمجتمع
بعيدًا عن كرة القدم، يظهر نيك وولتماد وجهًا إنسانيًا مميزًا. فقد شارك في العديد من الحملات التي تدعم أطفال اللاجئين في ألمانيا، كما زار مستشفيات الأطفال في بريمن ومانشستر، وحرص على التبرع بمبالغ مالية لمؤسسات تعنى بالتعليم المجتمعي.
وقد صرّح في أحد لقاءاته: “كرة القدم أعطتني صوتًا، ومن واجبي أن أستخدم هذا الصوت في مكانه الصحيح.”
التطلعات للمنتخب الأول
بعد مساهمته مع منتخب ألمانيا تحت 21 عامًا في بطولة أوروبا، بدأت الأصوات تتعالى لضم نيك وولتماد إلى المنتخب الأول. وقد تحدث مدرب المنتخب الألماني في مؤتمر صحفي عن مراقبة الجهاز الفني للاعب، خاصة في ظل ضعف الأداء الهجومي للمانشافت في التصفيات الأخيرة.
إذا استمر في مستواه الحالي، فقد نشاهد نيك وولتماد ضمن قائمة كأس العالم القادمة، وهو الحلم الذي قال إنه سيُكرّس كل تدريباته من أجله.
تطور أدواره داخل الفريق
في بداياته، كان يُستخدم كمهاجم تقليدي، لكنه الآن يتحرك بحرية أكبر، وينزل كثيرًا لصناعة اللعب، ويُشارك في بناء الهجمات من منتصف الملعب. وهذا التغيير جعله أكثر نضجًا في قراءة اللعب، وأكثر فاعلية في الربط بين الخطوط.
أظهر قدرته أيضًا على التبديل السريع في مركزه أثناء المباريات، وهو ما أعطى لمدربه خيارات تكتيكية مرنة في المباريات الصعبة.
الختام
نيك وولتماد لم يعد مجرد اسم في قائمة المواهب الصاعدة، بل أصبح نموذجًا متكاملًا للاعب المحترف الذي يجمع بين الموهبة، الذكاء التكتيكي، والالتزام الأخلاقي. ومع استمرار تصاعده في الدوري الإنجليزي واهتمام الإعلام والجماهير به، فإن وولتماد في طريقه لأن يصبح أحد أعمدة الكرة الأوروبية خلال العقد القادم.
وبينما ننتظر تطورات جديدة في مسيرته، تبقى قصة نيك وولتماد دليلًا على أن الطموح حين يقترن بالاجتهاد، يمكنه أن يصنع فارقًا حقيقيًا في عالم الرياضة.
اقرأ ايضاً: أشرف حكيمي (Achraf Hakimi): الظهير المغربي – مسيرته بين أوروبا والعالم العربي